اهداء الى طلبة المركز ماجستير دورة 36 (منهجية طرق البحث العلمي)
بقلم الدكتور محمد صالح القريشي
اعزائي طلبة المركز فيما يأتي ملخص لموضوع طرق البحث واختيار المشكلات البحثية ارجو الاطلاع عليه والاستفادة منه في عملكم العلمي الان وفي المستقبل امنياتي لكم بالتوفيق والنجاح:
اولا: ماهو العلم
العلم هو عملية او طريقة لتوليد جملة من المعرفة ، ومن المهم ان نلحظ ان مصطلح العلم لايشير فقط الى جملة من المعرفة وكتلة من المعرفة ، وانما يشير ايضاً الى العملية او الطريقة المستعملة في انتاج تلك الكتلة او الجملة من المعرفة . يعبر العلم عن منطق اجراء التحقيق العلمي الذي يعني الطريقة التي تستعمل لفهم الاشياء لزيادة فهمنا للمفاهيم والافكار والعلاقات . مما يجعل أي تخصص علمي هو اعتماد ذلك التخصص على المشاهدة المنتظمة لمساعدة المختص ان يجد الاجابات الصحيحة للاسئلة التي يطرحها ضمن ذلك التخصص . ومهما يكن من أمر فان العلم يدور حول فهم العالم الذي نعيش فيه . ان الانسان أو جمهور من الناس ربما يلحظون ان مساهمة الجمهور في قرارات حول التخطيط الحضري والاقليمي يأتي بنتائج ايجابية على نجاح ذلك التخطيط وتحقيق اهدافه بينما العالم المختص بالتخطيط الحضري والاقليمي يعمل على فهم اسباب ايجابية تلك المساهمة الشعبية في التخطيط الحضري ويبحث كذلك نمط او نوع المساهمة الاكثر فعالية والاكثر اهمية ومتى تكون تلك المساهمة غير مفيدة ولماذا تكون تلك المساهمة مهمة وهكذا .
ثانياً –
اهداف العلم :
ثمة اهداف عدة للعلم نلخص اهمها في ما يأتي :
الهدف الاول للعلم : وصف الظاهرة قيد الدراسة ليس كما يلحظها غير المختص وانما كما يراها العالم الباحث .
الهدف الثاني للعلم : محاولة الفهم الافضل للظاهرة قيد الدراسة ، اذ ان العالم يركز على التوضيح بمعنى التركيز على جمع المعرفة حول الظاهرة واسباب وجود تلك الظاهرة او ماهي الاسباب التي تقف وراء وجودها . وهذا يتطلب عادة معرفة واحدة او اكثر من المقدمات التي تعد شروطاً تاتي سابقة على الظاهرة وفي مثالنا السابق فان اعطاء فرصة للجهور للمشاركة في قرارات التخطيط الحضري والاقليمي تعود الى دراسة الاسباب في ذلك .
الهدف الثالث للعلم :وهذا الهدف هو التنبؤ الذي يشير الى القابلية على توقع حادثة قبل حصول تلك الحادثة فعلاً وهنا نقول : إن التنبؤ الدقيق يتطلب ان يكون لدينا شيء من الفهم لتوضيح الظاهرة بحيث نستطيع ان نتوقع زمن حصولها .
الهدف الرابع للعلم : هو السيطرة على الظاهرة وتحديداً تناول شروط المقدمات التي تؤثر في السلوك ونموذجياً فاننا نرغب ان يكون لدينا فهماً تاماً على نحو كاف للظاهرة التي نستطيع ان نتناولها بالتحليل والسيطرة على متغيراتها لزيادة تلك الظاهرة او تخفيضها .
ثالثاً – افتراضات العلم
من اجل ان يقوم العلماء بعملهم العلمي وفهم العالم من حولهم ، فانهم يجب ان يكون لديهم بعض الافتراضات الاساسية حول ظواهر العالم الذي يعيشون فيه .
الافتراض الاول :
يجب ان يعتقد العلماء او يتبنون التجريبية التي هي مبدأ ينص على ان افضل طريقة لفهم الظاهرة (اية ظاهرة ) هي توليد تنبؤات تتأسس على النظرية وجمع بيانات واستعمال تلك البيانات لاختبار تلك التنبؤات .
الافتراض الثاني :
هو القابلية على الاكتشاف وهذا لا يعني دراسة الظاهرة قيد الدراسة على نحو منتظم ولكن أيضاً ذلك الانتظام يمكن ان يكتشف .
رابعا – النظريات
إن النظرية هي منظومة من الافكار او البناءات والتعريفات والمقترحات التي تعرض رؤية منتظمة للظاهرة ، وذلك عن طريق تحديد علاقات بين المتغيرات بفرض اقتراح توضيح وتنبؤ بالظاهرة ومن دون النظرية والتأكيد عليها فان العلم سوف يصبح ليس اكثر من البحث عن اجابات بسيطة ينقصها أي اطار عام او اية عملية منفذة على نحو دقيق . انها النظرية وما يرافقها من مقترحات تسمح لنا ان نصف الظاهرة قيد البحث ونوضحها ونتنبأ بها ونسيطر عليها . وحتى تكون النظرية جيدة فان العلماء اتفقوا على نحو عام ان النظرية الجيدة يجب ان تحقق او تستجيب لمعايير معينة .
المعيار الاول : ان نظرية معينة تكون قليلة الاستعمال اذا لم تكن من نوع النظرية التي تعاني من الشح في التوضيح والتفسير . بعبارة اخرى نقول ان النظرية يجب ان تكون قادرة على توضيح الكثير بطريقة بسيطة وممكنة . بمعنى أنه كلما كانت العبارات في النظرية قليلة كلما كانت النظرية افضل . من جهة اخرى اذا كانت النظرية لا يستطيع الناس فهمها او استعمالها في بحوثهم فان تلك النظرية سوف لن تساعد في تقدم العلم وفي تحسين فهم الناس .
المعيار الثاني : وهذا المعيار هو الدقة وهذا يعني ان النظرية ينبغي ان تكون محددة في كلماتها وعباراتها المفاهمية بحيث ان كل واحد يعرف ماهي المقترحات والتنبؤات التي تضمنتها النظرية .
المعيار الثالث :وهذا المعيار هو قابلية النظرية على ان تُختبَر وذلك لانه اذا لم تكن النظرية قابلة للاختبار فانها تكون غير مفيدة وقابلية النظرية على ان تُختبَر تعني ان المقترحات التي تعرضها النظرية يجب ان تكون قابلة للاثبات بنوع من التجارب او التجريبية . ولكننا هنا لم نقل ان النظرية يجب ان تكون قابلة للاثبات والسبب في ذلك هو ان النظريات لاتثبت ولكن اما ان تدعم بالبيانات او لاتدعم بالبيانات .
المعيار الرابع :ان النظرية ينبغي ان تمتلك نوعاً من التوالدية بمعنى انها يجب ان تحفز البحث الذي يحاول ان يدعم مقترحاتها أو يرفضها .
خامساً – اختيار مشكلة بحثية
ان واحداً من الاسباب التي تجعل الطلبة يشعرون بصعوبة اختيار مشكلة بحثية هو انهم يخلطون بين المشكلات والطرق . فالمشكلة هي موقف مرتبك او محير ولكن بعد ترجمة المشكلة او ذلك الموقف الى سؤال او سلسلة من الاسئلة فان هذه الاسئلة تساعد في توجيه خطوات البحث . على العكس من هذا فان الطرق او الطريقة هي الاجراء او الأسلوب المستعمل لحل تلك المشكلات او تلك الاسئلة . فاذا بدأ الطالب بالعمل على الطرق او الطريقة من دون ان يكون لديه تشكيل او تحديد واضح للمشكلة البحثية التي يريد العمل عليها فانه سوف يقع حتماً في مشكلات صعبة وكثيرة لان الرؤية غير واضحة لديه .
تتألف المشكلات البحثية من اسئلة يمكن ان تبرر وعملية تبرير الاسئلة مهمة جداً ، وذلك لان الاسئلة تتضمن ان المشكلات ليست متساوية القيمة والاهمية . انها مسؤولية الباحث ان يوضح الحاجة إلى نوع معين من البحث لتبرير انفاق الوقت والجهد والاموال على دراسة معينة دون اخرى وتنبع ضرورة تبرير المشكلات البحثية من عدد من المصادر :
اولاً : ان المحاولات العلمية هي قضايا عامة ( بمعنى تتعلق بعامة الناس ) انها تتركز على رغبات وجهود المجتمع العلمي على نحو كبير .
ثانياً – ليس من الممكن للباحث ان يبحث كل المشكلات العديدة الموجودة في مجال تخصصه ، وهكذا عليه ان يكون انتقائياً فيما يتعلق تلك المشكلات وأي واحدة منها تختل الاولوية لديه . ان قرارات تتعلق بالاولوية التي تعطى للمشكلات تتطلب معايير معينة . وقد اقترح العلماء عدداً من تلك المعايير لتبرير اختيار مشكلة بحثية معينة .
أ- معيار الرغبة : وهذا معيار ضروري ولكنه غير كاف لاختيار مشكلة بحثية معينة لاغراض البحث العلمي . ان الرغبة في مشكلة بحثية معينة لا تتضمن بالضرورة الموافقة مع واقع حال الظاهرة قيد الدراسة ليس بالضرورة ان يكون الباحث على اتفاق مع جملة من المعرفة من اجل ان يبحث بعض صفات او خصائص تلك المشكلة . ان عدداً من البحوث الاكثر أهمية قد اجريت بوصفها ردود افعال ضد المعتقدات المقبولة حالياً . ومثل هذا النوع من البحث مهم جداً لانه يؤشر نقاط الضعف في الدراسات التي اجريت سابقاً ويحفز البحث في موضوعات جديدة .
ب- المعيار الاقتصادي : وهذا معيار ثاني من اجل اختيار مشروع بحث دون اخر . ويتضمن هذا المعيار ان الحقائق في الحياة ربما تجبر الباحث ان يرفض بحثاً اذا كانت تقديرات كلفة ذلك البحث اكبر من الاموال المتوافرة لدى الباحث . كما ان تكاليف البحث ربما تجبره ان يحدد مساحة البحث وتعقيداته . عبر تاريخ العلم كانت قد اقترحت اساليب تتبع في البدء بالبحث العلمي . وكانت كل المقترحات متفقة على ان يكون الباحث بعيداً عن المعتقدات التقليدية او ما يدعى “الحكمة التقليدية ” ثمة وصفات وصفية للبدء بالبحث العلمي :
1. جمع الحقائق بوصفها طريقة فعالة للتعامل مع المعتقدات التقليدية .
2. المنطق الاستدلالي من العناصر الاساسية للموقف او الحالة .
3. اقتراح تطوير فرضيات واختبارها بوصفها بداية للبحث .
يبدأ البحث فقط عندما يكون هناك شيء غير مرضي وعندما تكون المعتقدات التقليدية غير كافية او انها موضع تساؤل عندما تكون الحقائق الضرورية لحل عدم اليقين او التأكد عند الانسان غير معروفة عندما لا تكون الفرضية المحتملة او الملائمة مُتصورة .
ج- معيار قابلية الباحث وتدريبه : وهذا معيار اخر في اختيار مشكلة البحث ان كل شخص يقدم على مهنة البحث العلمي يعاني من محدوديات في الخبرة والقدرة ينبغي ان يتعرف عليها ، إذا اراد تجنب الاحباط غير الضروري . وليس كل شخص قادر على البحث في مشكلات معقدة ، ومن علامات النضج للباحث ان يتعرف على حدود امكانياته وقابلياته في البحث العلمي .
ح- معيار الفردانية او التمييز : يفترض هذا المعيار ان البحث او مشروعات البحوث او في الطريقة اذ انه من غير المحتمل طبعاً ان صوت الباحث سوف يمر عبر مشكلة لم يدرسها احد قبله سابقة وهنا ينبغي ان نؤكد مسألة عدم تكرار ما قام به آخرون في بحث مشكلة معينة .
سادساً – العرض المرجعي (الدراسات السابقة )
من الفوائد الرئيسة للعرض المرجعي انه ينظم الحقل العلمي المقترح للبحث ويؤشر الطرق التي تجعل الدراسة المقترحة مرتبطة بالبحوث التي اجريت سابقاً . فالعرض المرجعي المنظم على نحو جيد يبين العلاقة بين الدراسات المختلفة وبذلك يشكل الارضية الاولية لتطوير نظرية . فضلاً عن انه من خلال وصف العلاقات التي تقترحها الدراسة بالدراسات التي تمت سابقاً فان الباحث تكون لديه الفرصة لتوضيح المساهمات التي يمكن ان يصنفها الى جملة المعرفة المتراكمة .
ولذلك من دون هذا العرض المرجعي سيكون من الصعوبة تقييم الممكنات المحتملة من البحث المقترح . و ثمة مشكلات عدة لها جذور في تخصصات متنوعة ضمن المجال الاكبر للتخصص مما يستدعي ان تذكر بعض الدراسات من جذور متنوعة ضمن التخصص الواحد .
سابعاً – الفرضية ( الفرضيات )
تعد الفرضيات عبارات تجريبية لعلاقات متوقعة بين اثنين او اكثر من المتغيرات . يطور العلماء الفرضيات حتى تساعدهم في توضيح حوادث وظواهر مختلفة والتنبوء بها . وثمة اسباب تدعو الى وضع او بناء تلك الفرضيات :
السبب الاول : ان الفرضيات تبنى وتوضع من اجل تقليل المصروفات في الوقت او الجهد .
السبب الثاني : تقييد وتضيق مساحة البحث او الموضوع الى عبارات حول التوقعات التي يمكن ان تدعم او يمكن ان ترفض .
السبب الثالث : تبنى الفرضيات للمساعدة في توضيح العلاقات بين المتغيرات .
ثامناً – منهجية البحث
يعد المنهج فن يمارسه العلماء من اجل القيام بعملية تنظيم ملائم لافكار عدة تستهدف البحث عن حل لمشكلة معينة او لحقيقة لايعرفها العلماء او الباحثين ويمكن تقسيم المناهج على نوعين اساسيين :
أ- المنهج الاستدلالي او الاستنباطي : وهذا المنهج يحاول ربط مقدمات مشكلة معينة بنتائجها او بعبارة اخرى يحاول هذا المنهج ربط التاثيرات باسبابها بالتأسيس على المنطق والتفكير العلمي . ولذلك فان هذا المنهج يبدأ بتحليل الأشياء الكلية او الجمعية ومنها يصل الى الاشياء الجزئية أي انه يبدأ من التحليل الجمعي حتى يصل الى التحليل الجزئي لظواهر ومشكلات معينة .
ب- المنهج الاستقرائي : وهذا المنهج يحاول ان يبدأ بالاشياء الجزئية ليصل منها الى الاشياء الكلية ، بعبارة اخرى انه يبدأ من التحليل الجزئي ليصل الى التحليل الكلي او الجمعي أي يحصل من التحليل الجزئي على فرضية اعداد قوانين ذات صفة عامة . ولتحقيق هذا المنهج يستعين الباحث العلمي على المشاهدة الفعلية المنظمة التي تتوسل الاسلوب التجريبي والتعامل مع المتغيرات المختلفة المكونة للمشكلة او للظاهرة .